حسن بولهويشات
أيتها المدينة الحزينة
كيف تناوب عليك عمّال الملك بلا رحمة
كما يتناوب الأوغاد على الفتاة الوحيدة العائدة من المصنع
ومات الأصدقاء في البحر
حتّى اكتظت المقبرة بالحالمين
وجلسنا نحشوك بالمراثي
كما يحشو طبيب الأسنان الأضراس بالمعادن؟
كيف نبتت العمارات
واختفت بيوتنا الوطيئة في الضاحية
وارتفع الدخان نكاية بوجودنا القديم ؟
كيف سقطت الأشجار على وجهها
وصارت الحدائق مكبات نفايات يرفع الأولاد فوقها أعلامهم الصغيرة
صارت المزابل أرجلاً تمشي في الطرقات
وأردافًا حنونة تجلس على العتبات
والطرقاتُ حفرًا نتخطاها بعكّاز الغريزة ؟
كيف صرتِ أحجارًا صفراء تحط فوقها الغربان
وقبورَ إسمنتٍ يسكنها يتامى بلا عائلة في المغرب أو خارجه
وتحاشتك طرقٌ سيّارة وقضبان حديدٍ
كأنك خلل في القافية أو عطبٌ في الإيقاع
يا عجبًا حتّى في الأمثال لا صحّة لكِ ولا مال !
أيتها المدينة الحزينة
يا موّال جدّات ضاع في التواءات الجبال
يا هزّة كتفٍ تدحرجت مع بندير الليل
ويا ضفائر بناتٍ تدلت على وجوهنا فأضاءت كرز الطفولة
هذا جسدك الضئيل محفور في أطلس الرّوح
مثل جحرٍ تقف أمامه العتمة
أو خدشٍ بالبركار فوق طاولة مدرسة
صدرك الضيّق كجيب الفقير تقضمه الحسرات
نهداك يندلقان فوق هضبةٍ
يتأهبان للإفصاح عن قسوة قديمة
يتراقصان ألمًا بين مكناسَ والعاصمة
هبوطا نحو تجويف بحيرة الوجود
حيث كبرتُ على عجلٍ مثل تدفق حليبٍ على فرن غاز
أو استدارة في زحام
وجلستُ أتخاصم مع ذكرياتي
كما يتخاصم حاكمان حول تجاعيد خريطة ،
أساتذة العربيّة حول شؤون لغويّة
والسكارى على كأسٍ تتعثر في الظلام بين يدٍ وأخرى
أنا شاعرك الأخير بحاجبين غاضبين
كمنجلين يتعاركان عند حدود حقل
كاللعنة لا انتماء ولا لون لي
ولا أغراض إلا ما ادّخرت من تشرّدي
ووقوفي أمام أبواب الله أستجدي لغتي
وأرثيك بكاف تشبيهٍ طاغية وواو عطفٍ زائدة
وأهرّب مرثيتي إلى مدنٍ بعيدة.