فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

عبدالوكيل السروري.. “الشعر مغلّفٌ بالفلسفة”!

ضياف البرّاق

ليست مبالغة عندما نقول: الكتابة عن أعلام الفكر الإنساني تبدو صعبة على كل مَن يعي عظمة و رسالة هؤلاء النبلاء للحياة الإنسانية قاطبة. حقًا، هكذا يبدو لي الأمر دائمًا: أن تكتب عن إنسان نبيل و مرموق، فأنت – بلا شك – في مسيس الحاجة إلى لغةٍ غير عاديّة، تسمو إلى مستوى مقامه؛ و تتناول شخصيته على النحو الذي يليق. و بالرغم من أنني أعرفُ جيدًا أن الشخصيات السامية، ذات النفوس الطيبة و العقول الكبيرة، لا تُحَبّذ لغة المديح، و لا تشعر بالحاجة إلى مثل هذا النوع من التبجيل الزائل؛ ذَلِك أنها متواضعة فوق العادة؛ إذْ تمقتُ الظهور الفاخر عبر الأضواء، و تُفضِّل حياة البساطة قبل أي شيء آخر. و حسب التجربة الواقعية، فإن الأضواء اللافتة لا تصنع شخصيات مرموقة، و إنما هي نتاج للمواقف و المبادئ فحسب. فقط، وحدهم المصابون “بعقدة النُقص” يُمجِّدون المديح عندما يتعلق بهم الأمر، بل يعشقونه بجنون، كما أنهم يلهثون خلف حظّ الشهرة، و على نحوها.

شخصيًا، عادةً ما أواجه صعوبةً، غير عادية، و إرباك شديد، حين أهرعُ – بِحُبٍّ فائق – إلى الكتابة عن الكبار في الضمير و الهدف، كذلك الحال حين يشدني هاجسي إلى الكتابة عن ” أ. عبد الوكيل السروري – 1963 م”. حقيقةً، ثمة مرات شغوفة، حاولتُ فيها الكتابة عن هذا الإنسان المعروف – سالف الذكر- لكنني (بِحق) كنتُ، و لا زلتُ، في كل مرة، أشعرُ بالعجز التام حيال هكذا أمر يهمني جدًا. و إنطلاقًا من تجربتي المبتدئة، التي لا زالت، تشق طريقها في عالَم الكتابة، أستطيع أن أقول: لكَمْ هو شعورٌ مؤلم أن تجد نفسكَ غير مقدورة – أثناء الكتابة – على البوح اللازم و الأمثل؛ الذي تتطلبه منك فكرتك التي أنت في صدد الكتابة عنها. بالطبع، الكتابة عن المواضيع اللافتة أو المهمة؛ قد تبدو، غالبًا، في غاية الصعوبة لدى المرء المشتغل بها.

قد تخذلك اللغة أو الفكرة، فتبدو غير كافية حين يكون الحديث عن إنسانٍ متفرد أدبيًا كهذا الشاعر العالي: عبد الوكيل السروري. إنّ هذا الكائن النبيل، يستطيع أن يأسرك بأقل من نبضة واحدة. حديثه العادي:( شعر، فلسفة، ضوء). في قلبه النقي أكثر من قلب، في لغته الخضراء كل الحضور و الوجع، يعانقك كوطنٍ نبيذي بمجرد أن تقترب منه، يحدثك عن كل شيء بجملة قصيرة و في الغالب بابتسامة نبيّ. حقًا، الحديث عنه يلزمني أن أكون متشبعًا بالفكر، فارغًا من التقليد، كبيرَ التحربة و المعاناة.

في الواقع، عرفتُ “عبد الوكيل” منذُ حرب متوحشة (أي: الحرب الراهنة)، و في القصيدة عرفتهُ قبل أن أكون هنا. أن تلتقي هذا الرائع، يعني أن تلتقي الفصل الأجمل في الحياة. إنه مثقف واسع، غزير و جميل حدّ الدهشة، كما أنه يعتبر من أبهر أقلام الحداثة الشعرية يمنيًا، بل متجاوزًا هذا النطاق. فلا أحد يستطيع أن ينفي أو يُشوِّه فرادته الإبداعية.

مَن يقرأ نصوص هذا النجم الحداثي، سيعرف ما هي القصيدة الجديدة في أوْجِ جمالها. و بكل تأكيد سيعرف معنى أن يكون المثقف و الأديب ذَا قضية و فرادة. و على سبيل الإيجاز: هو شاعرٌ معروف في الوسط الأدبي و الثقافي. إذْ بدأ يكتب الشعر و ينشر منذُ ان كان طالبًا في الجامعة (أي جامعة صنعاء).

يرى رواد و أساتذة الفكر الأدبي المعاصر أن القصيدة الحقة و الرائعة؛ هي تلك التي تتناول متغيرات الزمن و تفاصيل الواقع بفلسفة جديدة، عميقة و مفتوحة في آن. تكون مائزة المفردة، مكتظة بالدهشة و المرونة، و تخلو من الحشو المُمل، و الرتابة، و التقليد. و هي أيضًا، تلك التي يتضمن محتواها الرؤى و الأفكار قبل أي شيء آخر. إذ يقول نزار قباني ” إذا لم تستطع أن تدهش، فإيّاك أن تتحرش بورقة الكتابة”.

الآن، و بعد كل هذا، أستطيع أن أقولكم ” هكذا هي – تمامًا – قصيدة السروري هذا. فقد كتب عنه الدكتور الأديب، عبد العزيز المقالح: “الشاعر عبدالوكيل السروري في (الكلام تحرك تحت الماء): “يستطيع الشاعر المبدع أن يحرك الأشياء والكلمات كما يشاء، و في وسع الشاعر المبدع عبد الوكيل السروري أن يفعل ذلك ببساطة فهو شاعر فنان يجيد التعامل مع القصيدة كما يشاء، و في ديوانه الجديد (الكلام تحرك تحت الماء) الصادر عن اتحاد الأدباء و الكتاب اليمنيين، يكتب عبد الوكيل القصيدة وفق شروط إبداعية ترقى بها إلى زمن الشعر الأجد”.

للشاعر عبد الوكيل السروري ديوان سابق ما تزال ذاكرتي تتشبث ببعض غواياته المدهشة، و ديوانه الجديد هذا إضافة ذات دلالة مستقبلية، علامتها الأولى التحول الجذري نحو قصيدة النثر في أحدث تكويناتها الذاتية القلقة و المبشرة المعبرة عن مناخ كامل من الإحساس الحاد بالرفض واستخدام اللغة القائمة على المفارقة الساخرة… ”

يقول عنه عيسى الصوفي (شاعر مهتم في النقد): عبد الوكيل السروري أديب متفرد، يجمع كل ألوان الحداثة الأدبية و التجديد في قصيدة – فمثلًا – نجد الومضة، و الدهشة، و الهايكو، مجتمعة في قصيدة واحدة كما ان عبدالوكيل السروري يكتب الرؤى و الفِكر و هما أميز من الشعر، يُغَلٍّف الكلمات بالفلسفة ليحمي المعنى من الاستهلاك و الرتابة”.

تجدر الإشارة إلى أن عبد الوكيل السروري المولود عام 1963، في المعافِر بمحافظة تعز، أستاذ اللغة العربية، صاحب المجموعتين الشعريتين “مسحوق التعب اليومي” و “الكلام تحرك تحت الماء”، أُصيبَ بجلطة فاجعة في دماغه، منذُ قرابة عام، و هو – حاليًا – يعاني من شلل نصفي إثرها. المؤسف جدًا أن هذا الإنسان الكثير، لا يزال حتى اللحظة، يعيش حياته البسيطة في رفقة القصيدة و المعاناة و اللا وطن!

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *