الرئيسية / نصوص / لا عُذرَ لكِ أيَّتها الحربُ

لا عُذرَ لكِ أيَّتها الحربُ

ريتا الحكيم

ثمَّةَ رَجُل يعبرُ شوارعَ الذَّاكرةِ حافيًا، يمدُّ رأسَهُ مِنْ ثقوبِها
بينَ صحوةٍ وأُخرى، ويتوارى عَنْ أنظارِ فُضوليَ اللَّجوجِ.
أقولُ له في سرِّي:
لن أقربَكَ إلا وأنا غائبةٌ عِنِ الوَعْيِ، ترجَّلْ عن ظَهْرِ النِّسيانِ أيها الطَّيفُ، لأكُفَّ عن تخمينِ ملامِحَكَ عَنْ بُعد.
لو تقتربْ قليلاً سأهمِس لكَ بِاسمِ وطنٍ بديلٍ نسيتُ أسماءَ مُدُنهِ؛ فعاقبَني ورَحَلَ هو أيضًا.
أعيشُ في فراغِ صفحاتِ تاريخٍ لن يُكْتَبَ.. مَنْ يجرؤُ
على الخُروجِ مِن عباءةِ الماضي!
المفاتيحُ الصَّدِئَةُ
لن تفتحَ بابًا بأيادٍ مبتورةٍ
ينزلقُ الموتُ ويَدُسُّ أنفَهُ الطَّويلَ
في العتباتِ

الخيالُ الجامِحُ كبيادِرِ القمحِ، تتكدَّسُ فيه اللَّحظاتُ الهارِبَةُ، وتلكَ التي ما زالتْ في الأفقِ تنتظرُ قطارًا في محطَّةٍ خاليةٍ إلاَّ مِنْ بعضِ التَّوجسِ مِنْ أن يصطدمَ هذا القطارُ بجذعِ سنديانةٍ سقطتْ من السَّماءِ بِسَببِ طفرةٍ في جيناتِها الوراثيَّةِ.
النُّصوصُ الآيلةُ إلى الزَّوالِ
غِذاءٌ غنيٌّ بفيتامين دال، لامرأةٍ تتشمَّسُ
على شاطئِ الأوهامِ
ظنًّا منها أنَّها لن تُصابَ بهَشاشَةِ العِظامِ

الخيبةُ إجحافٌ بِحَقِّ كُلِّ التَّكهُناتِ بإمكانيَّةِ
إيجادِ وطنٍ بديلٍ
وعاشِقٍ بديلٍ
أتهيَّأُ الآن لإلقاءِ نظرةٍ أخيرةٍ على تلكَ الأسلاكِ الشَّائكةِ
حَوْلَ ذاكِرَتي.. فتزدحمُ أجزائيَ على مشارفِها
وأنزفُ اسمي واسمَكَ
أعرفُ أنَّ الخسائِرَ الفادِحةَ
لا يحقُّ لها أنْ تصرخَ أو تتألَّمَ
الحقيقةُ النَّاصعَةُ في كلِّ هذا الغِيابِ
والتي لا لبسَ فيها
هي أنّني سأموتُ واقفةً على رِجلٍ واحدةٍ
والأُخرى سأركلُ بها هذه الحربَ اللعينةَ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...