الرئيسية / شعر حر / الغفاريّون

الغفاريّون

رعد السيفي

 

الغفاريّون…
بأجسادهِم النّحيلةِ،
و وجوههم الشّاحبةِ فرطِ التَّعفّفِ،
و ثيابهِم التّي لا تتّسعُ إِلاّ لأَحلامِهِم الصغيرةِ؛
أحلامُهُم التّي لم تقترفِ التّحليقَ بعيداً
يجتمعونَ على مقربةٍ من قلبِ الجسرِ،
وتحتَ النّصبِ،
نصبِ الحريّةِ في بغدادْ
بصدورٍ عاريةٍ، و قلوبٍ بيضْ،
و بأعلامٍ مُضَمّخةٍ بدماءٍ لا تَجفّ!
ينادونَ على الوطنِ الغائبِ في الصّورةِ،
وهم يَضِيئونَ قناديلَهم

بينما يقبعُ خمبابا عبر الجسرِ
ثملاً بخرافاتِهِ الزّائفةِ
تحفُّ بهِ وحوشٌ، و أفاعٍ رُقطٌ
يراقبَ الغفاريينَ، وهم يتهاوونَ..
ليغطي أجسادَهمُ دخانُ الخوفِ الأسودْ
ويتعجبُ من حماسةِ سُوّاقِ التّكْتُكِ،
و نظافةِ أيديهم، وعجلاتِهم الصغيرةِ المحفوفةِ
بالفراشات،
وهي تنبثقُ فوقَ خريطةِ الحجَر
حاملةً أسرابَ الأرواحِ المرفرفةِ بذكريات الآتي!
تحت سماءِ التّحرير.

خمبابا بِسُحنِتِهِ الصّفراءَ بلا علّة
اعتادَ على ذاكرةٍ ضيّقةٍ
تتهجى وشمَ النّارِ
كما علّمَهُ سدنةُ الظّلامِ
في الغرفِ المجاورةِ!

وها هو اليوم يفعلُ الشيئَ نَفْسَه؛
متدرّعاً بجدارٍ عالٍ، وحكمةٍ فاسدةْ
يُحدّقُ بالأرواحِ بشهوةِ الخطيئةِ،
وهي تتصاعدُ إلى فضاءاتٍ أكثر رحابةً
من سمائِهِ الحمراءِ الملبّدةِ بالدّخانِ الأسودِ،
وقنابلهِ المسَيِّلةِ للأرواحْ!
قنابلُهُ التّي تتنزّهُ طليقةً على الأرصفةِ
لتستقرَّ أخيراً في الجبهاتِ أو الأعناقْ!،
ولتحيلَ الأجسادَ إلى كِسَرٍ من سلالةِ الوجع
المعَلّقِ على سكونِ مئذنةٍ يتصاعدُ منها الدمُ والرّمادْ!
تتصاعدُ إلى آفاقٍ أكثَر أمناً
من ساحاتِكَ التّي لا تُفضي إلاّ
إلى هوادجِ الموتِ، ونكهةِ الدّماء التّي
تُتّوجُ الأرضَ بالأكاليلِ القرمزيِةِ!
كي تنحتَ أزهارَ الحزنِ
في البّصرةِ أو ذي قار
في ميسان أو كربلاء،
وفي كُلِّ الأرضِ المحتدمةِ عطشاً،
وهي تطلقُ بوحها بندوبٍ حمرْ؛
كي تُطفيئَ ذلك العطشْ!

خمبابا…
يا هذا السّاكنَ خلفَ الجسرِ كئيباً
هَلْ كانت تلكَ وصاياك؟
هَلْ كنتَ تُطالعُ أسرابَ عصافيرِ الدّوري
تتساقطُ فوقَ رصيفِ الخلّاني صامتةً
في عرسِ الموتْ!؟

هَلْ كانت تلك وصاياكَ،
وأنتَ تُحيلُ سماءَ التّحريرِ
فضاءً للدّمْ؟

هَلْ كانَ القنّاصونَ أمامَك
يعتمرونَ رداءَ الجمرِ،
ويصطادونَ زنابقَ بغدادَ وبابلَ
في نفسِ الوقتْ؟

بصدورٍ عاريةٍ…جاءوكَ
يخطّونَ بألوانٍ زاهيةٍ فوقَ الحيطانِ
دموعَ الوطنِ الأزرقِ
لتطلقَ من خلفِ الجسرِ رصاصاً أعمى
ليفيضَ اللونُ أمامَ رصاصِك
يقطعُ جرياً ساحاتِ الخوفِ
إلى الموتِ سريعاً؛
كي يبدو أجملَ في عينِ الرّبِ!
قَنّاصةُ خمبابا يصطادونَ بدورَ النّورِ
وهم يزهونَ كصحنِ الشّمسْ،
يرشّونَ الصّبحَ بأصواتٍ خُضْرٍ
تشبِهُ أغصانَ الزّيتون
كانوا يبغونَ ظلالاً من وطنِ الماء
تحتَ جسورِ الخوفِ، وقربَ النّهرِ،
وعبرَ سماءٍ تنبُتُ ألوانَ الأخطاءْ!!

يا خمبابا…
سيجدُّ غفاريو الجسرِ وراءَكَ
حتّى تسقطَ في شَركِ النّهرِ،
فَقَدْ نسجوا من حولِكَ
عبر الجسرِ
خيوطاً…
تنبتُ من بينِ يديكَ، ومن خلفِكَ
حتّى تسقطَ..
ليفرَّ دهاقنةُ العتمةِ من حولِك مخذولين
إلى أرضٍ أخرى..
كي تورقَ ثانيةً أشجارُ البستانْ

 

9/11/2019

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هاتف

نجيب الورافي هل أهاتفه اليوم؟ – لا بل غدا وغدا لا مجال ...