الرئيسية / شعر حر / المرور أمام بورتريه السياب

المرور أمام بورتريه السياب

رعد السّيفي

 

على جبهةِ الأُفقِ
خيطٌ
بلونِ الرّمادِ،
ووجهٌ
يفيضُ على مُقلتيهِ
نثارُ الحروبِ،
وجرحُ مَدينةْ،

فكيفَ لَنا أنْ نَمُرَّ بدربِ القيامةِ
من دونِ أنْ نُقلِقَ الصّمتَ
في مُقلَتي السّكينَةْ؟

وثمّةَ زهرٌ تناثرَ فوقَ
رصيفِ البداياتِ؛
حيثُ الأساطيرُ تشربُ دمعَ القَصَبْ،
وثمّةَ نهرٌ يئنُّ على جفنِ قيثارةِِ مِنْ لَهَبْ،
وغيمٌ.. يُعَلِّقُهُ قمرٌ ناحلٌ
قلادةَ عُشقِِ على جيدِ تلكَ السّماءِ الحزينةْ!
وكانَ.. وكانَ..
فكيفَ أُقيمُ ظِلالَ النّهاياتِ أنّى أشاءُ؟
وأعرفُ أنَّ الصّبا ملءَ روحي،
وروحي بساكنِ ذي النّخلِ دوماً رهينةْ

طرقنا السّواحلَ نبحثُ عن أوّلِ العابرينَ
حقولَ السّوادِ،
فَكُنتَ الدّليلَ..
وكانت تمرُّ أمامَ السّفائنِ ريحٌ غريبةْ،
فتأخذنا وحشةُ الرّملِ
من جذوةِ الماءِ
سطراً بسفرِ الحجرْ
لنقرأَ فيضَ الغيومِ،
وشهقةَ نخلِِ يُسَبِّحُ للتائهينَ
بنهجِ السَّفَرْ!

قرأنا انتظارَ الغمامِ،
وبوحَ النّخيلِ وراءَ الفسيلةْ،
وكانت لنا فوقَ تلك الضِّفافِ خطىً
تُلوّحُ أنّى التَفتنا
بشمسِِ تفيضُ بكفٍّ نَحيلةْ
فأعشبَ من حولنا الصّمتُ يأساً

قرأتُ عليكَ تباشير خوفي،
ورعشةَ تيهي،
وأسرارَ زهرتي المهملَةْ،
وشاهدتي عشبةٌ من ظلامِ المنافي
تبعثرُ من حولها الأسئلةْ!
وحينَ دنوتُ..،
وهمَّ الرّماد.. بجمرةِ روحي
تَشَبَّثَ بي حجرٌ في الطّريقِ؛
يُوزّعُ سرّاً
مرايا لأحزانِ ليلِ الغريبةِ
في خَفقَةِ السُّنبلةْ!
فآخيتُ أُفقَ الرّمالِ
لأُرخي حبالَ ارتحالي
فَلاحَ أمامي قميصُكَ طيراً
يُرفرِفُ فوقَ الخليجِ،
ويحدو بقافلةِِ من دماءِ الأصيلْ،
وكانت حناجرُ تلك الضّلوعْ
تَسحُّ عذاباتها في خشوعْ
تُسَلِّمُ حينَ تمرُّ الرّياحُ
على مُستكنِّ دموعِ النّخيلْ

وكُنّا نبوءَةَ منفى!
لنا وطنٌ من ذَهَبْ
يُشَيِّدُ فيهِ الظّلامُ
أراجيحَ خوفِِ تهدهدُنا في سياطِ التّعبْ!
فنعدو إليهِ..
نُقَبِّلُ أهدابَ عتمتِهِ،
ونغبطُ أنوارهُ في الكُتبْ!
نُسَلِّمُ -صَمتاً- على جرحِهِ،
ونفتحُ شُبّاكَ فتنتِهِ،
ونرفعُ ثوبَ النّهاراتِ في أَوّلِ الّليلِ
عن جسدِِ باذخِِ،
ونشتِلُ -بالوهمِ- أحلامَ يقظتِهِ،
لنفتحَ بابَ الجنائنِ في ليلِ جيكورَ
حيث الحيا
تروّي الظّما،
وتسقي الثّرى،
فَتَصحو الخرائبُ ثانيةً
تُشَرِّعُ للصبحِ أبوابها
ليزهرَ في منزلِ القنِّ برجٌ
تآكَلَ مابينَ موتِِ وموتْ
لينهضَ ثانيةً في صلاةِ الخفوتْ!
ينادي: بلادي
فينعسُ وجهُ الرّدى،
وتهدأُ تلكَ المُدى

وحينَ نمرُّ نسيماً يُسافرُ في راحتيكْ
تُصِلِّي الضِّفافُ،
ونُبصِرُ من خلفِكَ النّهرُ يبكي عليكْ!
ليُخبرَنا الدّمعُ أسرارَ جيكورَ ثانيةً،
وكيفَ يصيرُ الحصى في جِرارِ الجداولِ
بُرجاً يضيئُ..؟
لِنُورقَ في أوّلِ الّليلِ
نجماً يُسافرُ فوقَ الفخاخِ التّي
نثرتها الرّياحُ لتصطادَ أيامَنا،
وتُلقي بها في أتونِ النّشيجْ
لنصرخَ من هولِ وحشتنا:
يا خليج..
ليصعدَ هذا الصّدى
شاحباً في المدى،
ويبقى الرّدى
يُبَلِّلُ أحلامَنا في جفونِ النّدى
لتزهو المُدى في الطّريقِ إليكْ،
ويحبو الخريفْ
يُغلِّقُ شُبّاكَ تلكَ التّي لَنْ تُطِلَّ علَيكْ
لنغرقَ في قاعِ نهرِِ مخيفْ

ظلامٌ يُحيطُ بنا
تناثرَ في بهوِ أسمائِنا
يُغمغمُ حينَ تغيمُ السّماءْ
ويدنو..
لِيَنهلَّ قطرُ الدّماءْ!
ونحنُ نخفُّ على نارِ أُفقِ المرايا
لنسعى إليكْ؛
فَكُنتَ توشوشنا بالمَطَرْ،
وتُنشِدُ في كُلِّ عامِِ يمرُّ
لعينينِ لا تُشبهانِ العيونْ
تُلاحقُ سرَّ البروقِ،
وتُصغي لبوحِ السّكونْ!
وتعجبُ كيفَ لِمنْ ذاقَ يوماً فراتَك
-من بعدِ أنْ يرتوي-
قد يخونُ؟
وكيفَ يكونُ؟

ولكنّ تلكَ المتاهاتِ تكبُرُ..
لتهبطَ فوقَ سماءِ المحيطاتِ؛
حيثُ شتاءُ الغيابِ
يدقُّ نوافذَنَا
لتأخذنا من يدينا ظلالُ المنافي
ومازالت الرّيحُ تَنشُرُ عتمتها بينَ أعينِنا،
فَلَمْ نَكُ نُبصر غيرَ الزّبدْ
نُحدِّقُ في الأفقِ حتّى ثمارِ الجحيمِ،
وَلمْ نَرَ في بيدرِ الوجدِ يوماً أَحَدْ!

نِثاراً نضجُّ..
نمرُّ بدربِ المتاهاتِ
نسمعُ أوجاعَنا في ارتعاشاتِ بابِ السّماءِ،
ونلمسُ غيمَ الشّحوبْ
يُخَبِّئُ صفرتَهُ في رجاءِ الجذورْ،
وخيبتهُ في زفيرِ الدّروبْ،
وَلم نَكُ تحتَ الظِّلالِ الثّقالْ؛
لننعسَ تحتَ اكتظاظِ الحديقةْ،
ورعشةِ نارِ الصّخورْ
لأنّا نُلاحقُ في شهقةِ النّخلِ
ظِلاًّ لأيوبَ يسعى وراءَ البحارْ
يُتَمتِمُ بالحمدِ
يقرأُ سفرَ الوصايا،
ويمكُثُ في رقصةِ الإنكسارْ!
ويسهرُ حتّى أُفولِ الفنارْ
ليعرضَ في الأُفقِ ظِلاًّ
لخيطِِ من الطّينِ
يزرعُ في ضفةِ الموتِ أُفقَ انتظارْ
يمدُّ لجيكورَ لوناً من الماءِ
أسودَ..أخضرَ..أزرقَ؛
حتّى لُهاثِ النُّضارْ!

ولا زالَ يرقبُ نجماً
يضيئُ المسافةَ من أَوّلِ الّليلِ
حتّى انكشافِ النّهارْ،
يُشيرُ لدفلى الدّروب،
وكيف تُغَيِّرُ ألوانَها بينَ صيفِِ وصيفْ!
ودارت عليكَ الرّحى..
وبينَ المنافي
نِصالٌ تُوزعُ لَحمكَ بينَ المشافي،
لتستنطقَ الداءَ… كيفَ… وكيفْ؟
ولم تَكُ غيرَ هشيمِِ منَ الأُغنياتْ
تبوحُ بأسرارِها في المقاهي،
وتغربُ في كذبةِ الأُمنياتْ
لِتَشتَعِلَ النّارُ من عطشِِ في الفراتْ،
وتذرفُ جمراً
على جسدِِ ناحلِِ
في رفيفِ المماتْ
تَضوّعَ من خيطِ ريحانِهِ
عبقٌ من حنينْ
لمعبدِ أسرارهِ
غارقِِ في ظلامِِ مكينْ
ولازالَ يصبو
لظلِّ بويب،
وشُبّاكِ تلكَ التّي
أزهرتْ في ظلالِ الحديقةْ
لعلَّ بقايا رضابِِ
تنزّلُ في لحظةِِ
من عناقِ الحقيقةْ!
ولازالَ ينثرُ فوقَ الشواطِئِ
دُرَّ المحارْ
لتدنو له منْ أعالي الكلام
قطوفٌ تحجُّ إلى صمتِهِ،
فيغفو وقوفاً على ضفةِ الشّطِّ؛
خوفَ الجراحِ التّي تنكأُ الجانبينْ
يُسامرُ نجمتَهُ الدّاميِة،
ويبقى يُسابقُ في خطوها الريحَ
حيثُ تقيمُ على الضّفةِ النّائيةْ
وحينَ تشيرُ أصابعُه في انبهارْ
لشمسِِ تغيبُ،
وليلِِ يَسُودُ،
وجوعِِ يُعَشِّشُ
في جُبّةِ الخوفِ حَدَّ استتار النّهارْ!
ويمشي على الموجِ
تبتلُّ جبهتُهُ بالعطش
تمرُّ الرّياحُ على لوحِهِ،
وتحصدُ ما يحصدُ الرّملُ من جرحِهِ
ليبقى.. يئنُّ،
وليسَ هنالكَ مَنْ يرفعُ الّليلَ
عن صبحِهِ!

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هاتف

نجيب الورافي هل أهاتفه اليوم؟ – لا بل غدا وغدا لا مجال ...