فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

شعر حر

بورتريه/ لميعة عبّاس عمّارة

رعد السيفي

 

في زاويةٍ خاليةٍ من هذا العالمِ
تجلسُ عشتارُ بكاملِ عزلتهِا
تنتظُرُ القادمَ
عبرَ مفازاتِ الخوفِ؛
ليعيد ربيعَ الزّنبقِ
من جوفِ الألواحْ!
محفوفاً يأتي
بنوارسَ تخرجُ من
ذاكرةِ الماءِ؛
تُخَضِّبُ وجهَ الموجِ،
وتوقظُ في الأفقِ
سُبات الأرواحْ!!

تجلسُ عشتارُ
على العَتَبةْ،
وبيقظةِ جمرِِ
تبذرُ في قلبِ الّليلِ
جداولَ خمرِِ
تتشهى معراجَ الأسبابْ!

تبسطُ في الأفقِ يديها
تصطادُ ثمالاتِ الأقداحِ،
وتشربُ أنخابَ شِفاهِِ
تفنى في تأويلِ الّليلِ
بخفقةِ طيرِِ
يتقمّصُ وجهَ القنديلِ بسقفِ المحرابْ

أيّتُها الأنثى..
قَبْلَ الألفين..
كانَ غناءُ المعنى
بُعداً آخرَ
يتعانقُ فوقَ رفوفِِ سانحةِِ
حيثُ تشعُّ الأشياءُ،
فيصيرُ الظِلُّ حفيفاً
يتسلّقُ أوجاعَ الّلذةِ
تحتَ سماءِِ صالحةِِ
قبلَ الألفينْ
ما كانَ لذاكِ العرّافِ
بأنْ ينبئَ لؤلؤةَ البوحِ بحكمتهِ
لو كانَ تحدّث عن سرِّ التيهِ،
وعن مرآةِ الجنٌةِ
لو كانَ…
آه …
لو كانَ لذاكَ العرّافِ
بأنْ يكشفَ عن سرِّ الرّوحِ
بحكمة قلبِِ مذبوحْ!

ما أقسى وحشةَ هذا العالمِ سيّدتي!
الحيرةُ غصنٌ يتدلّى،
السّاعةُ بئرٌ أخرسَ يمتدُّ بمنفاي،
وأمامي يطلعُ وجهُكِ مبتهلاً..
في صوتكِ شهوةُ بحرِِ يُشبهكِ
في خطوكِ رعشةُ عظمِِ ثَملِِ
لا زالَ يَغذُّ السّيرَ بجوفِ المنفى
يُبحِرُ من صلواتِ الظلّمةِ
يلتفُّ بأرديةِ الضوءِ
بطيئاً يُمعْنُ في الأفقِ
ليخشعَ عشقاً
بمدراجِ شمسِِ
تقبعُ في شغفِ الطين
ليلامسَ وجهَ النّورْ
تتبسّطُ تلكَ المشيةُ..
خارجةً من نصفِ الغيمِ
-أنثى تترقرقُ في نهر الضّوءِ-
كآلهةِِ من ياقوتْ
ليسَ لها غيرُ تمائمِ بهجتها،
ونبوءةِ ذاك العرّافِ،
وعشقِِ مكبوتْ!

تفتحُ أسرارَ حدائقها
-بينَ الماءِ وبينَ الماءِ-
تُحلّقُ خلفَ كوامنِ نارِِ خرساءْ
إذْ تهبطُ فوقَ النّاسِ
كنجمةِ بردِِ نائيةِِ
تبحثُ عن دفءِ الأشياءْ
تتضوعُ نكهةُ حكمتها
لتعيدَ أناشيدَ حكايتها
بحروفِِ من ذهبِ الآراكْ!
لنظلَّ بهذا المنفى
نغزلُ خيطَ الحزن، ونَحلمُ..
لو كُنّا قبلَ الخمسينَ هناكْ!
لشربنا خمرةَ ذاكَ الصّوتْ
وتراشفنا بالسّرِّ نبيذَ التّوتْ!
ولَثَبّتنا ناصيةَ القلبِ على سرِّ التيهِ،
وغبنا في أروقة الرّهبانْ؛
نتنزّهُ بينَ جرارِِ عطشى
للحُبِّ ،و وسوسةِ الشّيطانْ!
فَنَشدُّ الرٌوحَ لزاويةِ العشّاقْ
إذْ نُبحِرُ صوبَ ضفافكِ هَمساً،
فضفافكِ داليةٌ تنضحُ بالخمرِ،
وجمرٌ يتوهّجُ فوقَ لُماكْ
بلْ ظِلُّ من طيفِ عناقْ
آهِِ..
لو كُنّا قبلَ الخمسينَ هناكْ!!
لم نكتُب غزلاً بسواكْ!!
______________
* رعد السيفي شاعر و أكاديمي عراقي، عمل أستاذا للنقد الأدبي بجامعة إب/ اليمن، يعيش حاليا في الولايات المتحدة.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *