فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

سيرة الدم

عبدالغفار العوضي

لم أعد إلى البيت؛ 
سمعت عواء فى الخارج،خرجت دون ذاكرة كافية لحفظ ألوان الجدران ودفء الغرف، 
دون إرهاق الوعى بأسماء العائلة، 
دم إخوتى، 
دهشة أبى من وحشية الأرزاق، 
حزن أمى الدائم الذى يعطى لجمال الحياة لذتها القصوى..

خرجت لأن المكان بداخلى تبعثر، مثل شرايين تتفجر داخل فوضى الجسد،
لأن جغرافيا الخارج تحتل ما كان بالأمس يسمى “جسدى”

كل الدم فى الخارج هو دمى؛ 
دم قبائل تذبح فى أدغال أفريقيا 
دم ثوار يقاومون لأن المقاومة غريزة أبسط من الاستسلام،
دم مدن يطحن فيها الإسمنت مع حسرة اللحم،لا تبتلع الخرسانات الدم المتشظى 
فيبقى الدم وشما على بطن الأرض العارية..

دم غرباء يشبه حنينا غامضا للنزيف الحر داخل شوارعهم القديمة، 
دم عشاق يخرطون بصل المسافات داخل أعين مغلقة ببكاء مدفون
لأن الزمن فقاعة 
تتمدد داخل فراغ القلب…

؛ 
دم يشبه العمى، 
يشبه الدوران حول نقطة ذات مفتتة،
يشبه الصدى العميق المتبقى من اسم ممحو، 
يشبه ترك الأم غارقة فى رحمها العقيم، 
يشبه البئر الممتلئ بجثث مجهولة ليعرف الماء كيف طعم العطش للدم،

يشبه النسيان.. 
لأن نزيف الدم داخل متاهة؛ 
يعنى أن نقلل من احتمالات الوصول للجرح البدائى!

داخل المكان؛
يصير الجسد البشرى عاجزا عن تخطى هويته الموشومة
الغضب المهزوم يفكك مفاصل الجسم الرخو 
العضلات لا تقوى على حمل اليأس

اللحم يخلو كجذور شجرة ميتة من دفء الدم…

؛
تصير أعضاؤه متسخة بعفن الأبعاد،
بهندسة الصيد التى تتقنها بيولوجيا الشركات فى غريزة البقاء البربرية 
تصير جغرافيا القتل أكثر ضيقا كفخ،
جغرافيا المحو..النهب المنظم..الخوف من انهيار خيوط الروح الرفيعة… 
تصير الرئتان الخاويتان غابتين لإيواء ذئب جائع.. 
عجوز؛
يشبه القرفصاء داخل حنين ميت، 
وفريسة فاسدة..

لأن أبى يقشر اللحاء الغليظ لنخل المدينة ليصل بنا إلى عظم الشبع ثم تقوم أمى بتربية الحيوانات التى نسيها نوح خارج سفينته وتقطيع أصابعها بغواية ملح الليل لتعد طبيخ النهار من لحمها المسكر الطرى المملوء بالحزن والعويل وجنون اللذة حينها كنا صغارا كزغب الأكواخ ونجرى بين الحقول كرسائل ريح تغوى ريحا تركت نفسها عارية لتفاصيل الأرض أمى تأتى وتطرد الغبار من الدم وتنظف عتبة السلالة من تسلل الندم والضغينة وعبث المصائر فيما لم نصر بعد عائلة فنحن إخوة من الدم لا نعرف كيف نسفك شرايين الجبال لنصطاد توت الجنة المحرمة ولا نذبح قرابين لأب بدائى ولا نعرف سيمياء الغرباء لأننا غرباء لم نشم بعد رائحة المدن الأخرى المدفونة هناك عميقا فى الذاكرة.

لا شئ خارج المكان سوى هوياتنا الأخرى.

نقتل من أجل أن تبقى المرآة مساحة خالية من الاعداء.

لن نهرب أبدا من مطاردة الظل.

أركض مثل جائع فى حقل من دود التفاح.

لا أعرف كيف أحمل فوق كتفى تلك الجدران الخفيفة مثل ريشة الندم 
لأنى خائف من الوصول هناك..

الوصول إلى هناك،
كنبى 
فقد ربه!

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *