فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

ترعةٌ ضَريرة

محمد حربي

إلى محمد عفيفي مطر

*كيف قطَعْتِ تلك المسافةَ الشاسعة
تحت سياطِ الشمسِ؟
** أنقَذَتْني جُثثٌ تجيدُ لغةَ السِّياط..
قالت ترعةٌ جفَّتْ في الحصَّةِ الأخيرةِ
قبل جرَسِ الملحِ
قُلتُ: وكيف تعودين الآن؟
ناحَت وفتَّشَتْ حقيبتَها المدرسيَّةِ
وأيقَظَتْ جُثّةً بين الطّفْوِ والغَرَقِ
كانت الجثّةُ تَهذي بنَشوَةٍ مُريبَةٍ:
“هذه الأرضُ الخَلاء، بعد أن قاءَت بَنيها “*
فتردُّ أسماكٌ بنكهةٍ ميتةٍ:
“هذا الزحام لا أحد”**
***
إنّه الرّصاصُ يَخدِشُ الورقةَ بِقَسوةٍ
ويُمزِّقُ ملابسَ الصُّوَرِ
قبل أن تَفِرَّ القصيدةُ بغَنيمَتِها من تُرَعٍ وقَتْلَى
ويَذْوي القَلَمُ تماماً
كَجِذْعِ نَخلَةٍ خاويةٍ
بعدما فَرَّ القُطْبُ من الطّريقةِ
إلى عودٍ أخضر
تحت إبِطِ مقبرةٍ
تُغَني: “هذه الأرض الخلاء أخرجَت أحشاءَها”
فيرسمُ الصّدى شُروخًا
وطِينًا رطبا في جذوعِ النّخلِ أعودُ
***
من كَثرةِ ما أَلْقَيْتُ لها من جُثثِ حيواناتٍ
صرْنا صديقين
الترعةُ الضريرةُ كانت تَهتدي بالخوارِ الأخير
إلى حتف مِلْحِها وتمضي
سهَّلْتُ لها موتَها
وعَلّمَتْني صيدَ الفراغِ
أنا وترعَتي ندخلُ كتابَ الصّمتِ
ببَهجَةِ الخَواتيم
وننتظرُ عودَةَ المَهدي
في أقنعةِ القصيدةِ
أو شِباكِ الصيدِ
ثم نَهذي بنَشوةِ الخَرابِ:
هذه الأرضُ الخلاء
هذه الأرضُ الخَلاء
ثم يسودُ صمتٌ قبل أن يصُرخَ المؤذِّنُ في العِيرِ:
“صمتًا قليلًا فقد حانَ الوَداع..
:الفاتحة”
صاحت ترعةٌ ضريرةٌ من مجرورِ النّهرِ
وَحَلَّتْ عصابَةَ العَينين
فلم أَقُلْ شيئًا من هَوْلِ ما رأيتُ.
____________
* من قصيدة لمحمد عفيفي مطر
** من أحمد عبد المعطي حجازي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *