الرئيسية / نصوص / أيها الحب

أيها الحب

فاتنة الغرة

 

ماذا أفعل لك أيّها الحب حتى تأتي
كيف أقنعك بأن في هذه الغرفة
امرأة تنتظر
امرأة تقضي ليلها أمام مرآةٍ صدئةٍ
تتفقّد تفاصيلها المكرمشة
تمدّدها الموسيقى
وحينما تمشي
تفتح الساحات أسواقًا شعبية
ويُنصَب سيركٌ ترقص الألوان فيه

امرأة لم تترك عرّافًا أو عرّافة
شربَتْ ماء الغيم ومنقوع ورق السدر
وضَعتْ تميمةً مخطوطةً بالطلاسم قلادة
تستدعيك كلّما أنّ فيها جذعٌ أو ارتجفت مفاصل
أين تقطن أيها الحب كي أبعث حرسًا يجلبوك
لترقد تحت قدميّ مكبلًا مطأطئ الرأس

الأغلال تربط بين عنقك وكاحليّ
أجلس بالساعات أمامك
رأسك بين يديّ أقلّبه مثل رأس دمية
أضع يدي أمام أنفك
لأتأكد أن هناك نفَسًا يخرج منك
أجلدك كي أسمع أنينك
أمدّ إصبعي أفقأ عينيك
ولا يهتزّ لك رمشٌ

أسمع العاهرات يتأوّهن خلف الأبواب مع رفاقهنّ
وأنت تمدّ يدك تربط بينهم
تضيّق الخناق عليهم
هنّ يتأوّهن
هم يتأوهون
وأنا أذوب توجعًا
ترفع رأسك
بابتسامةٍ لئيمةٍ من طرف فمك

ماذا أفعل لك أيها الحب!!
تخليت عن تاجي
دُرتُ في الأزقّة
بثيابٍ ممزقةٍ وشعر منكوشٍ
أمدّ يديّ للماشين في الطرقات
لا أحد يراني
أكلت الخراء حسب وصفةٍ شعبيةٍ قديمة
نمت بين الأفاعي
أرتجف من الحمّى
شربتُ بصاق المجذومين
بأظافري نزعت طبقات جلدي
ولم يرفّ لك جفن..

ماذا أفعل لك أيها الحب!
أَقفرتَ الطرقاتِ التي تصلني
رششتَ عقارب وزجاجًا مهشّمًا في الطريق
وضعتَ متاريس على النواصي وخلف الزوايا
أطفأتَ المصابيح التي تقود إلى قلبي..

كل صباح أنظّف هذه الأزقّة والطرقات
من الزجاج المهشّم والعقارب
أنظف المصابيح جيدًا وأملؤها زيتًا نقيًا
أضيئها وأذهب
لأسحب بذراعيّ النحيلتين العاجيتين المتاريس
ثمّ أعود
أنتظر على دكّة بابي الخشبيّ

لأجد الأزقّة والطرقات
مغطاةً بالزجاج المهشّم والعقارب
المصابيح مكسّرة
الزيت متناثرٌ على ذيول فساتين النساء
ثيابهنّ نظيفةٌ
وجوههنّ ورديةٌ
ساحات بيوتهنّ مغطاةٌ بماء الليلة الفائتة
كلّ ليلةٍ أكرّر الطقس نفسه وأنتظر
ربّما يمرّ طيفك في ليلةٍ مكتملة القمر

وعندما تأتي
تمرُّ كإلهٍ قاسٍ
ناظرًا بشماتةٍ إلى قلبي الذي ينكمش
تمرّر يديك عليه لتعلم كم من الطراوة بقيت فيه
وحين تدرك أنه ينبض بخفقاتٍ بطيئةٍ متعثّرةٍ
ترفع رأسك راضًيا
تمشي واثقًا
غير مكترثٍ لصراخي خلفك
وأقدامي التي ينزع الزجاج المكسور جلدها
وتغرز العقارب نفقًا في أعصابها
تمضي ولا تلتفت أيها الحب
وأنا أتفتت..

————–
أنتويرب 2015
*من ديوان “ثقوب واسعة ” منشورات المتوسط 2018

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...