آمبر باست/ المكسيك
ترجمة: غدير أبو سنينة/ نيكاراغوا
أُهْدي هذهِ القَصيدةَ إلى الرِّجالِ الّذينَ لم ألتقهم قَطْ.
إلى الأَبناءِ الّذينَ لم أنجبهم أبداً
إلى القصائد التي لم يكتبها أَحَد
أُهْدِي هذه القَصيدَةَ إلى الأُمَّهاتِ اللّائي لم يُحْبِبْن أطفالَهُنَّ
إلى اللّاتي مُتْنَ في فنادقَ دون أن يُرافقهنّ أحدٌ
أُهديها إلى من يَرْسُمُ على الجدرانِ
إلى الرجل والمرأة.
أُهدي هذه القصيدةَ لأولئك الذين يصرُخونَ من الألَمِ
إِلى النّساءِ ساعةَ المَخاضِ
إلى الذين تتعالى أصواتهم في مواقف الباصات وفي الأسواق.
أُهديها للمُنتَحِرينَ
إلى الشُّعراءِ المَنسِيِّينَ في إِحدى (الأنطولوجيات)
لِمن يغسِلُ الجُثثَ
إلى النّساء الّلاتي يَرْقُدنَ مع الجَميعِ
ولأولئك الّذين ينامون دوماً وحدهم
أهدي هذه القصيدةَ لعازفِ النّايِ والطّبّال
عندما يذهبونَ لغسلِ الحَصائِر في نبع الماءِ
إلى من يخوضُ في الشَّلَّالِ فَيَبْتَلُّ شَعْرُهُ بمياه الزّنبقِ
إلى من تُرضع وَلَدها في حقول قصبِ السُّكَرِ
إلى من يبحثونَ عن قوسِ قزحٍ في الآبارِ النّفطيّةِ
إلى المُجَدِّفين الذين اخترعوا النَّشيد بأذرعهم
إلى من يغسلون الذّرة تحت المطرِ
إلى الّذين ينقلون الماءَ في الأباريقِ ويسيرون في الطريقِ
إلى الطِّفلةِ وهي تُراقبُ اليراعاتِ
ولِتلكَ الَّتي تَحمِلُ القنديل
إلى الفِتيانِ الذين يَقفزُون وبأيديهم قَشٌّ مُسْتَعِرٌ
إلى أولئك الّذين يسيرون فوق النّارِ يَدْفِنون موتاهم في المَطبخِ
ويُغَنّون وسط الأنقاضِ
إلى من يَخْدَعُ المَوتَ وهو على فراشٍ يَحتضرُ
إلى من يهبطُ من البَراكينِ خَشيةَ أن تحرقهُ النّجوم
إلى من يُمسك يدَ الموت ويرقص معهُ
إلى من عنده كنائنَ كُثُر يحملن الأغوانا (1) على رؤوسِهِنَّ
إلى الضَّفائر التي تبيع الثَّلج في الأرض الدّافئة
إلى من شمّر عن كُمّ قميصه وأمسك الفأسَ
إلى من يَبيع التامال (2)
إلى من يَقْطع الذُّرَةَ كي يأكلها نيِّئَةً
وَمَن يَرْبط ساقَ الكَلْبِ سارقَ الدَّجاجِ
إلى الذين يفتعلون الضجيج وَيقتُلون من أجلِ الحُبِّ
إلى من يرتمي في الحفرةِ عندَ دفنِ صاحِبِهِ.
إلى الشَّاعر الذي لا يمكنه النُّزولُ من السَّطحِ لِأنَّه عاشقٌ
إلى من يفعل ما يستطيع
أُهدي هذه القصيدة إلى من لا يأْلفون القهوةَ
ولا المسبحَ ولا يَعرفون استخدامَ الهاتفِ
إلى الذين لا يدخلون البنوك
ولا يَظْهَرون في التلفاز
إلى الأُمسياتِ الأولى التي يُصرَّح فيها بالحب مع أخطاءٍ إملائيّة
إلى الشّعراء الذين لم يبدأوا بالكتابة بعد
إلى النوادل الذين يبتلعون كرامتهم
إلى العجائز اللاتي يغسلن في بيوت الغرباء.
وأولئك الذين لا يجرؤون على إبداء آرائهم ولا حتى رفع أصواتهم
إلى اللواتي لا يسعَدن دون موافقة الرجل
إلى الذين يرتمون على الأرض ويبتلعون ألسنتهم بين الحشود.
أهدي هذه القصيدة للّائي يَرقدن بمئزر العمل
ويُفَكِّرنَ بما يَتوجب عليهن عمله بينما ينتهي أزواجهن من القذف قبل الأوان
إلى اللائي يتَّكئن في الظل على ألواح النخيل
و اللاتي يخبزن في الأكواخِ
إلى التي أَحْرَقت شعرها ولطّخت ثوبها بالطبشور
إلى أولئك الذين يُشَمّسون القرع على أسطح بيوتهم ولا يملكون مقاعدَ
إلى الذين يُداعبون أطفالهم بلغة المايا ويجلبونَ الأقذار من تحت أظافرهم للزّبّالين
إلى الذين يزيلون حشائش الأرض يَزرعون الصبار ويأكلون الخبز مع الملح
إلى العسس الذين يعملون أيضا في النهارِ
إلى ذي الحذاء المُمَزَّق الذي يُرتب مئة سرير كلَّ صباح
إلى الذين يسافرون وقوفاً إلى أرض الكاكاو
إلى الذين تصطبغ وجوههم بالسواد وتظهر على أسماعهم آثار بكاء
أهدي هذه القصيدة إلى الرجل المقيَّدِ
إلى الأطفال الّذين تعرّضوا للضّرب
إلى أبناءِ مدمني الكحول
إلى الّذين يعتنون بمخلوقات الغير ويلتقون بأبنائهم كلّ خمسة عشر عاما
إلى من يمسحُ أرضيَّةَ المدرسةِ ولا يعرفُ كيف يوقّع باسمه
إلى من يأكلون على موائد التّكايا
إلى العرجان الّذين يتجمهرون أمام فرنِ ما
إلى أولئك الّذين يستخدمون الحمّامات العامّة ويكنسون الشّوارع منذ الصباح
إلى اللّواتي يرقصن في الملاهي وقد سئمن الحياة
أهدي هذه القصيدة إلى عاجن الخلطات الذي يلاقي حتفه وهو يبني بيتاً لغيره
إلى الشَّاعر المُكمّم الفمِ إلى الأبد
إلى الّذين فرُّوا ليلاً عندما دفن البركان كنيستهم
إلى الجيران الذين وارى الثرى أجساد أطفالهم واحداً بعد الآخر كالسنوات التي تمر
إلى الذين اضطروا لبيع أبنائهم دمائهم وأعراضهم
إلى الّذين لا يملكون شيئا كي يخسروه
أهدي هذه القصيدة إلى عمّال الأرض
الذين يحسدون سيّدهم
ألى الذين يحفرون أنفاقا تحت البنوك
إلى الذين يشتعلون بنار الإبداع
إلى الذين يخفون ظلهم ويفَجِّرون الجسور عندما يغيب القمر
إلى الذين ينتمون إلى حرب العصابات في عمر الثلاث سنوات
وَيَتَعرفون على النّساء في الجبال للمرة الأولى
إلى الذين لم يقتسموا الفراش يومًا ويقتسمون القبرَ ذاته
أُهدي هذه القصيدة إلى الأم التي تبحث عن طفلها في غرف الموتى
وبين قصائد أخرى مقطوعة الرأس
إلى من لا يستطيع أن يُحَدِّدَ جُثَّتَ أحبائه فيُعانق الجثث مودّعاً.
________________
1 ـ الاغوانا: أحد أنواع الحيوانات الزاحفة، ويستخدم في الطعام.
2 ـ أحد أنواع المأكولات المصنوع من الذرة اعتاد الهنود الحمر على صنعه.
◆ آمبر باست: شاعرة مكسيكية من أصل أمريكي.
◆ غدير أبو سنينة (مترجمة فلسطينية مقيمة في نيكاراغوا).