فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

رغبة في الطيران

السيد التوي/ تونس

 

أمطار هنا في الساحل التونسي
هل رأيت عصفورا يبكي من الفرح
أنا رأيت ما هو أجمل
أشجارا ترفع يديها الى السماء
وغيمات تهرول نحو الأغصان
مطر الآن بحجم الخداع الوطني
مطر يخترق أجسادا منهكة
مطر يغني هازئا من حساباتنا الانتخابية
مطر يطرق نوافذ البرلمان
والأغبياء يواصلون وهم العظمة
مطر يتابع القمة العربية ويبتسم
يبتسم
مطر يقول للسيسي والسبسي ومشتقاتهما
النهر يسير بخطى ثابتة نحو النهر
والجبال تستحم برغوة البرق
والبحر يتململ متلذذا بماء المطر الذي يحك جلده
والريح تتوثب للقفز.
مطر وأنا استحضر نصوص عيد ابراهيم و(إيكاروس)
قال لي أعرف هذين الذئبين
يتربصان بي الدوائر كل شتاء
ليكتباني غزالة…
مطر وفي جيبي ولاعة وسيجارة شعبية وكلمات الرفاق التي صارت محشوة بأحلام البورجوازية الصغيرة.
سانتظر حوارا شيقا هذه الليلة مع المطر
سأسقيه كأسا وكأسا
وحين يسكر
سأقرص أذنيه
وأسجنه داخل المزهرية
سأروي له قصصا عن أصدقاء تحولوا الى أفاع وكلاب حراسة
سأحدثه عن أبي الذي انتظر الصابة ولم تأت.
وعن زغاريد النسوة التي انحبست في الحناجر
وعن الخناجر التي استقرت في خاصرات الصّبايا
سأحدثه عن شعوبٍ بأسرها تحولت الى حبات لوز مملّحة يأكلها أباطرة الأرض بعد كلّ كأس كونياك.
سأحدثه عن حبيبتي التي طارت لأن العش الذي أعددته لها تركت فيه مكانا لأمي ولأبي ولأختي التى اختبأت في البيت منذ ولادتها.
المطر في الساحل التونسي وقلبي يجول في مصر والعراق وسوريا واليمن
يحدق بعدسته الصدئة في الأشلاء
ويغرس قدمية بين فوهات المدافع والجوع
يجول هذا القلب في المخيمات والملاجئ يقرأ قصائد لوركا ومجانين آخرين
يقرأ وينزف حتى صار اسفنجة يابسة
مطر ساحليّ وأنا محارب قديم
أروي لأحفاد لم ألدهم انتصارات كاذبة وأطرّز على أكفهم الصغيرة
صورة ليست لي
ليست لي هذه الصورة ولا هذا المطر
ليس لي هذا الحب المنبعث من المطر
ليس لي هذا الصخب الطفولي في المطر
ليس لي هذا المطر
لي فقط وجه شاحب وسكّين أتأبطها
ورغبة في الطعن
رغبة في الطيران.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *