فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

نصوص

ديمة محمود/ مصر

 

إقامة في غابة

ولأنكَ الذي لن أنسى
سَأشعلُ البخور من أصابع النهر
وأُطوّقُ جيدي بِأصداف الكهَنة
وأشنّفُ أذنيّ بأقراطٍ من تعويذات بوذا
وأسرقُ مياه العرّافة
لأديرَ رحى جلسةِ الأرواح
وأُسمّد التراب لشجرة الذكريات
أقشر لِحاء الانتظار وأفتلُه بِالجوزة
وسَتذهل غزلانُ الغابة
من قبّراتٍ كثيرة على الأغصان
تمطُّ عنقها
وتهدِلُ بِسوناتا تُبخّر النسيان.

 

إصبعٌ واحدةٌ تكفي

أفكّرُ أن السّقفَ فكرةٌ سخيفةٌ وهشّة
وإن أوهموكَ أنه يحمي من المطر ومضادٌ للصقيع والعواصف الرملية
يرسمون إطاراً من الحديد أو الذهب
يجعجعون إفكاً أنه بروازٌ لِصورةِ المناسبة السعيدة
صدّقتَهم حينما كنتَ صغيراً
أو قل: كان مفروضاً عليك أن تصدّقَهم لأنك طفلٌ
ثم بُلتَ في بنطلون الجينز الجديد عندما استوعبت الكذبة.
*
لأن النورَ يغطي العتمة، وإن كانت استدعتْه
فإن السقفَ فكرةٌ مُضعضعةٌ ومهزومة
لا يمكن لها أن تبقى لأنك تتمدّدُ طولياً وليس أفقياً
قمةُ رأسكَ سَتحاذي كعبَ السقفِ فَـتهزمَه ويتفتّت.
*
السقفُ كذبةٌ غبيّةٌ
وسردابٌ من ورقٍ مُعادِ التدوير
الغبارُ المتكدّسُ عليه يُوهم بقوّته
لا يحتملُ اللهبَ الذي في دماغك
ولا ينتظرُه لِيفور
فحيحُ دماغكَ يكفي لأن يجعلَه يتفكّك
بل ويحترق.
*
السّقفُ ممسوكٌ بِمخلبين أو ثلاثة
لن تحتملَه انعقافاتُ المخالب
وسَيأتي وقتٌ لِيفلتَ وحده دون عُنوة
السقفُ محصور في فكّيْ محكمة تفتيش قاءت جلاديها فَتعفّن
السقفُ مفاصلُه مُعمّمةٌ
وبِحذاءٍ طويلِ العنق
لذا لن يصمدَ، وإن مكث لمدّةٍ طويلة.
*
أنتَ تقررُ أن تصنع السقفَ أو تستعيرَه أو تعْبَره
لا يمكنُ لأفلاطون أو نابليون حتى،
أن يحاصراك في البرواز
وفي اللحظة الدّسمةِ
عندما تستوي السنبلةُ وتتأهّبُ أظافرُك
سَتهوي بِسقطةٍ واحدة كلُّ الأسلاك
حتى التي دخلتَ فيها بمفردك.
*
فِطرٌ يتفشّى على عنق السأَم،
ويتمدّدُ في رئتيك بعضُ وقتٍ وماءٌ مُـتّـقـدٌ
يتكوّرُ بارتواءٍ وبلا حراشف
يُسقطُ كلَّ السقوف بزفيرٍ واحدٍ عند منتصف الظهيرة
قد تفقدُ ثلاثَ أصابع أو أربعاً من كلِّ يد
لكنني أعدكَ أن إصبعاً واحدةً من اليدين تكفي
ما دمتَ أبيْتَ السّقف.

 

موت شاعر

سمعتُ أنّ شاعرًا قد جثم في فوّهةِ الموت
لا أعرفُه
لكن الصريرَ الذي صكّ أطرافي
كان مُنذراً بِالفراغ من حولي
لأن مِجسّات الموت تلوحُ بِمخيلتي في كلّ اتجاهٍ لا ترحم
تعبّىءُ بِالمجّانِ أطفالاً ومراهقين وجميلاتٍ
وفقراءَ وباعةَ عرباتِ وكهولاً وعشاقاً ومثليين
ثم تفْرغُهم في مقالب الجماجم والشواهدِ والهياكل العظمية
وتقصقصُ من رايات الاستسلام أكفاناً ونعوشاً رديئة.
*
شاعرٌ يموت
يعني أن تعوَجَّ ناصيةُ الطريق أكثر
يعني أن تندلقَ ترّهاتٌ من بطن اللامبالاة
ويتكوّمَ في الشارع الخلفيّ مزيدٌ من الحفر والنفايات
وتنثني أشجارُ الصنوبر والسنديان
ويزيدَ الجلادُ المقاصلَ في أُهبةِ المجزرة.
*
الشاعرُ الذي يموت سَيسقطُ بعده الجدار الذي
تنام فوقه عريشة الياسمين
ويذبلُ الميسلون وينتحب اليمام
سَيصبُّ البحر في النهر
وسَتلدُ الداليةُ زبيباً ولا تدركُ النبيذ
وتستفيقُ الصبيةُ من حلُم الحبّ.
*
الشاعرُ طافحٌ بما يفيضُ من الحبِّ عن حاجة الحياة
لا تحتملُه طويلاً فَتجدعُ نفسها
بعد قليلٍ وهو في التابوت
سَيتسرّبُ إلى عين الشمس
بعد أن يخفيَها عن عينِ الموت
ويخبىءُ الموتَ من الموتِ نفْسِه
يجمعُ ضوءها في كراتٍ يدحرجُها على الأرض
لِيرقصَ آخرون وفراشاتٌ في طريقهم إلى الموت!

————————
* من مجموعة “أشاكس الأفق بكمنجة”.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *