فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

بوست

إنعام يونس: الموت أغنية الحرب الجنائزية في سورية

صدام الزيدي

 

كحبّات بَرَدٍ تناثرت في دروبٍ للنار، تجيء قصيدة الشاعرة السورية إنعام يونس، الحالمة بالأمن والسلام والسكينة والدهشة، على الرغم من معطيات لحظة قاسية تعصف بالروح. بينما تراهن على الشعر في سعيها لتأثيث هذا الخراب الذي يجوب العالم، ابتداءً من يوميات وطنها الأم (سورية)؛ فلا سلاح آخر لها يمكنها أن تصوبه في وجه التكفير والبؤس والدمار غير القصيدة.

تتذكّر “إنعام” تلك البدايات لطفلةٍ في المدرسة زارها طيف الكتابة فأخذت تكتب الخاطرة بدلاً من كتابة الفروض المدرسية؛ كتابة في اندلاعتها الأولى، تمنح طفلة مختلفة عن زميلاتها كامل المتعة بينما تدوِّن بالقلم الرصاص شعوراً داخلياً يعصف بها/ يراودها، كلما جلست وحيدة”.

“عموما أنا أحب العزلة ولا زلت…. كان مدرس اللغة العربية يقرأ ما أكتب فأجد تشجيعًا منه”؛ تتذكر “إنعام” تباريح البداية. ثم، بعد ذلك، قرأت إنعام يونس لجبران خليل جبران وهو واحد ممن تأثرت بكتاباتهم: “قراءتي الأولى كانت لجبران فأصبحت في سن مبكرة أسير على خطى الرومانسية والنمو الروحي بعيداً عن الواقعية، ثم تنوّعت قراءاتي (لاحقاً) بين الروايات العالمية والشعر، فشدّني محمود درويش وغادة السمان والبياتي وبدر شاكر السياب أيضاً”.

تخرجت إنعام يونس في جامعة تشرين تخصص هندسة ميكانيكية (ميكانيك القوى) وعلى الرغم من اهتمامها بالكتابة لتفادي شبح العزلة المبكرة وبقراءة كل ما يصلها وما تجده أمامها، فإن هذا لم يؤثر في دراستها الأكاديمية، إذ كانت من المتفوقين، وفي الجامعة اختارت تخصصاً يبتعد كل البعد عن الشعر: “الهندسة أعطتني نوعاً من الواقعية والآلية والميكانيكية بالحياة فأصبحت مختلفة نوعاً ما. وبالعموم عشقت قصيدة النثر وكتبت بمجلات الجامعة والجرائد المحلية، آنذاك، ليستمر تعايشي مع الشعر إلى مالانهاية”.

اتجهت “يونس” لكتابة قصيدة النثر، فـ:”قصيدة النثر أقوى (حسب قولها)، ولقد وجدت النثر ملامساً لروحي فكنت شغوفة بكتابة النصوص بعيداً عن قيود البحور والوزن… أحب التلقائية في الكتابة وغالباً تأتي الكتابة دون سبق إصرار… هكذا أكتب لأنني أشعر برغبة في داخلي تدفعني لكتابة ما يُعتمل فيّ دون أن ألتفت إلى أنني أنشر ذاتي بين سطور القصيدة، أو ما الذي أكتبه”.

تشهد سورية منذ سنوات، حرباً مستمرة وتشظيات لانهاية لها، وبالتالي فإن المشهدية الثقافية هناك تتداعى منكسرةً وتتشرد، بين انهيارٍ للفعل الثقافي في الداخل، وبين انشطارٍ للأدب السوري في الخارج في ظروف النزوح واللجوء والمعاناة، لكن “إنعام يونس” تتأوه بنبرةٍ تفوق الحزن والوجع: “لا يستطيع القلم وصف التأثير السيء لهذه الحرب… هنالك حزن كبير يفوق حدود الحزن والألم. ما يحدث في سوريا لن تستطيع حتى أعظم الأقلام نقل المشهد كما يجب… هنا أصبح الموت أغنية جنائزية وجرحاً غائراً في الروح… تسببت الحرب في توقف عجلة الثقافة نوعاً ما فهاجر الكثير من المفكرين وتوفي قسم منهم لكنني أشد على يد من بقي فذلك هو الوفاء الحقيقي للجذور وللانتماء لعالم الكتابة والابداع. الحرب جرح كبير تعجز الكلمة أمام حالات الموت التي لا يتخيلها عقل.. أمام الخراب والدمار والفوضى وانعدام الأمن. كل ما خلّفته هذه الحرب من تشرد ويتم وأحقاد دفينة.. نحتاج فعلياً لإعادة تأهيل الفرد.. إعادة بناء لقواعد آمنة تجعل من المواطن عصيّ على الأيادي الخارجية والدخلاء الذين عاثوا فساداً في عقول البعض فسادت ثقافة القتل والتكفير.
علينا إعادة الروابط بين الطوائف المختلفة
والدعوة الحقة لتآخي الأديان بخطوة هامة وهي فصل الدين عن السياسة والمجتمع، فالدين لله والوطن للجميع”.

تتمهّل “ابنة طرطوس” في إصدار باكورة شعرية، لأنها تعتقد أنه لا بد من أن يكون الإصدار الأول على مستوى عالٍ من الإتقان: “فإذا لم أستطع إدخال الدهشة الى النصوص فلا أعتبر ذلك شعراً”. تقول إنعام يونس في حديثها إلى “فضاءات الدهشة”.

حالياً، تُحضِّر لإصدار ديوانها الشعري الأول، سيرى النور حينما تنتهي “إنعام” من لمسات مهمة على صعيد المراجعة المتأنّية، لكن ثمة فضاء جميل، لعله من يدفعها بقوة لتغامر في إصدار باكورة. على أنها ترى أن منصات التواصل الاجتماعي لها أثر إيجابي وفعلي في زيادة المعارف والقراءات، من واقع تجربة شخصية: “بعد انضمامي إلى فيس بوك، أصبح لي نصوص ترى النور في مجلات ومواقع ورقية وإلكترونية، ومتابعين وقراء يتابعون ما أكتب يومياً. إنه فضاء جميل”.

تأمل “إنعام يونس” أن يعم السلام والأمن كل البلاد العربية، لتُفتح البوابات أمام الشعر والأدب وكافة الفنون؛ لكنها الآن، تلوذ بالشعر في عزلتها، كي تنقشع – قليلاً- غيمة للحرب في الأفقية الداكنة.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *