كتب- صدام الزيدي
يراهن الأكاديمي الناقد اليمني عبدالحميد الحسامي على ان “الكتاب سيظل محتفظاً بعرشه على مدى التاريخ مادام هناك عقولاً وقلوباً وابداعاً”.
مشدداً على ان “الكتاب عنصر مهم في الحياة وسيظل الاحتفاء به في أي صورةٍ من صوره مهماً في بقاء الأمم والشعوب”.
واعتبر الحسامي في حديث ل “فضاءات الدهشة”، معارض الكتاب المصغرة، التي تقام هنا وهناك، بعد غياب لمعارض الكتاب الدورية منذ سنوات، في ضوء تداعيات الحرب الدائرة في اليمن: “مبادرات مهمة، حتى وان كانت رمزية، ذلك لأنها تحيي قيمة الاهتمام بالكتاب، وما تزال تعلن أن الكتاب قيمة انسانية حضارية كبرى لا يمكن الاستغناء عنها”.
وتعليقاً على مبادرات الاحتفاء بالكتاب (اليمني) في يومه العالمي الذي يصادف اليوم، الإثنين 23 أبريل- نيسان 2018، قال الأستاذ الدكتور عبدالحميد الحسامي: “مهما كانت هذه المبادرات صغيرة، فإنها ذات أهمية كبرى”، لكنه شدد على أمر مهم، من وجهة نظره: “يبقى السؤال: أين هو الكتاب الذي ينبغي أن نحتفي به؟ وأين هو القارئ الذي ينبغي أن يحتفي بالكتاب؟”.
وفيما يؤكد أستاذ الأدب والنقد الحديث في جامعة الملك خالد بمدينة أبها السعودية، انه: “لا يمكن للمثقف أن يستغني عن الكتاب بأي حالٍ من الأحوال.. نحن أمة كتاب والبشرية كلها اعتمدت على الكتب في طريقها إلى النور والهداية، كما انها اهتدت إلى ممكنات العقل والكون والحياة، من خلال الكتاب أو ما حمله الكتاب من أفكارٍ، من رؤى، من مشاعر، من خيال”؛
(يخلص الحسامي) إلى القول: “لذلك، سيظل الكتاب نوراً في طريق العقل، وفي طريق الحياة، متذكراً قول الشاعر العربي: (أعزُّ مكانٍ في الدنى سرج سابحٍ/ وخير جليسٍ في الزمان كتابُ)”.
ويضيف: “إذا وجدت أُمّةً تحتفي بالكتاب، فاعلم انها أُمّة حية لا يمكن أن تغيب عن مضمار الفعل الانساني، وإذا اختفى الكتاب أو ندر في أمةٍ من الأمم، فاعرف ان قدرها على قدر احتفائها بالكتاب”.
وعن الكتاب اليمني، تحديداً، وما استطاعت إرادة الابداع انجازه، في أقسى مشهديةٍ للحرب والشتات تمر بها اليمن، قال عبدالحميد الحسامي: “الاصدارات على مستوى المشهد اليمني، الآن، جيدة ومهمة رغم ما يعيشه المشهد اليمني من أزمة حقيقية داخلياً وخارجياً”.
غير انه لفت إلى ان “اليمن كان قبل سنوات من أهم الشعوب اقتناءً للكتاب واحتفاءً به في معارض الكتاب”. مشيراً إلى ان “هناك نخبة قارئة وهناك طليعة تتقدم برغم الوجع نحو القمة، تحاول أن تنتزع مواقعها رغم الألم، رغم الوجع، رغم تعب الطريق”.
كاشفاً انه وجد ذات يوم، رئيس دار للنشر، قال: “ان نسبة بيع الكتاب كانت في اليمن أعلى من نسب في معارض الكتاب في الوطن العربي”.
وحيا الحسامي كل مهتم بالكتاب في اليمن، في هذا الظرف الاستثنائي العصيب، بانتظار فجرٍ قادم ان شاء الله، مؤكداً في ختام حديثه ان “الشعب اليمني مهتم بالكتاب والشريحة المهتمة بالكتاب شريحة كبيرة وليست قليلة”.
* * *
*ضوءٌ في الدرب:
أواخر 2017، وقّع كل من وزير الثقافة مروان دماج، ورئيس مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر هاني الصلوي اتفاقاً لانجاز مشروع “المائة الكتاب”، وهي سلسلة بدأت أولى ثمارها بإصدار حزمة كتب واصدارات في الشأن الثقافي والفكري اليمني.
إلى ذلك، بوسع المتتبع لحالة الشتات التي يعيشها المشهد الأدبي اليمني، اليوم، (وهي مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات حرب)، إلا أن يحيي حالة كهذه؛ إذ لم تمنع مبادرات نخبوية وشبابية من أن تنجز فعلاً ثقافياً، ينتصر للثقافة ويحتفي بالكتاب، تحديا لأداة الحرب، وإشاعةً للحياة في وجه الصخر.
وهي ذاتها، الروح اليمنية، التي التئمت، مؤخراً، في مبادرات للاحتفاء بالكتاب في زمن الحرب؛ حيث أقامت عدد من دور النشر اليمنية معرضاً مصغراً للكتاب في صنعاء خلال الفترة (21-23 أبريل- نيسان الجاري) في كلية العلوم الإدارية التابعة لجامعة العلوم والتكنلوجيا، فتح أبوابه من ثمانية صباحاً حتى الخامسة عصراً، كثمرة لنشاط “نادي اقرأ بجامعة العلوم والتكنولوجيا”.
على ان معرضاً مماثلاً شهدته كلية التربية بمدينة سيئون التابعة لجامعة حضرموت في أقاصي شرق البلاد، مطلع الشهر الجاري، بمشاركة خمس دور نشر من صنعاء والمكلا وسيئون، عرض أكثر من 1200 كتاب تخصصي ومتنوع، بحسب منسقة المعرض “أمل صالح”، التي أوضحت ان المعرض استهدف طلاب وطالبات الكليات والمدارس والقراء والباحثين، كما شاركت مبادرة “معاً لنقرأ”، وقد حظي بإقبال شديد على مدى ثلاثة أيام.
وفي صنعاء، أيضاً، كانت مؤسسة بيسمنت الثقافية بالتعاون مع ناشط مهتم ببيع الكتب الالكترونية، أقامت، قبل أسابيع، معرضاً للكتب (بوك توداي).. ووفقاً لرئيس المؤسسة شيماء جيمال: “أقيم المعرض لكسر حالة الجمود الثقافية في صنعاء، اسهاماً في توفير الكتاب والاحتفاء به عبر مبادرات مصغرة لكنها كبيرة في مدلولها وثمارها، تفتح نوافذ القراءة كي يدلف منها الضوء إلى الروح بعيداً عن مآسي الحرب وأزماتها ومشاهد البؤس والمجاعة التي تحصد اليمنيين بصمت”.
وفي عدن، كانت مبادرات شبابية تحتفي بالكتاب منها مبادرة لبيع وايصال الكتب الالكترونية أطلقها شباب عدنيون، في الآونة الأخيرة. بينما احتفت تعز، على طريقتها، حين أعلن عبدالخالق سيف، مدير عام ثقافة تعز، إطلاق مبادرة معرض مصغر للكتاب، تحت هاشتاج #أحضر_كتابك، توجت اليوم، في قاعة الأنشطة بكلية الهندسة جامعة تعز، متزامنةً مع معرض دولي للرسوم الكاريكاتورية تشهده تعز رفقة دول عالمية منها فرنسا، تركيا، البرازيل، كولومبيا وكوستاريكا، (رسوم معبرة عن الكتاب بمشاركة ابن تعز الفنان الشاب أنس الأثوري).
*أدب الحرب:
من ناحيته، يتفق الشاعر والباحث اليمني الشاب عبد الله محمد الشميري، مع ما قاله الناقد الحسامي. يقول الشميري: “لا يمكن الاستغناء عن الكتاب، وبوسعي القول أن الاستغناء عن الكتاب يبدو كما لو أنه استغناء عن إكسير الحياة”.
وفي تتبعه لأحوال الكتاب اليمني في سنوات الحرب، لفت الباحث الشميري إلى: “ثمّة ما يمكن أن أُطلق عليه انفجارًا إبداعيًا في اليمن خلال سنوات الحرب الثلاث الأخيرة تمثّل في كمية الإصدارات من جهة وفي الزخم الإبداعي الذي قدّمته تلك الإصدارات من جهة أخرى؛ مما يجعلني أنظر بإيجابية وتفاؤل للمشهد الإبداعي اليمني”.
معتبراً أي مبادرات من هذا النوع (معارض الكتاب المصغرة) “مرحّب بها دائمًا، وتُسهِم -ولو بصورة مصغرة- في خلق جو معرفي يحتفي بالقراءة ويُعيد للكتاب شيئًا من دوره الحيوي والفعّال في المجتمع”.