فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

ترجمات

أناشيد الضفة الأخرى

معز ماجد/ شاعر تونسي
ترجمها من الفرنسية إلى العربية: محمد الغزّي

 

1
إنها شُعلةٌ من كافورِ “ باروس “ الخالص
مذاقُ الامبراطوريات مغمورةً في اعياد الانعتاق الكبيرة
مذاقُ الشرقِ يُضنيه وجدُهُ
مذاق العنبر والشهوة
مذاقُ كسلٍ عذب يتلوى مثل عشقِ مراهقٍ
لايستطيعُ من غمرات المنفى فكاكاً

إنه بحرٌ ارجوراني مثل شعاعِ قمرٍ داكن
يعلنُ احتفاءهُ بمجد القرصان المنتصر فوق المنابر

يا ايها القرصان منتصراً على نوبات الغضب
كبرى غضبات التمثال الطريح
ايّ نذيرٍ كاشفكَ بوجه الشرق ؟

آه. كم هي كثيرة هذه الآلام اللآمتوقعة !
كم هي كثيرة لحظات الصمت عصيّة على الاختراق
كم هو كبيرٌ صبرنا الذي لا يطويه النسيان

آه بمَ امسكتَ من بحار حِقَبكَ الرائعة !
واذ بعيدا هناك ،
في مكانٍ قصيّ عن ممالك الكلام
فوق قمّة الصمت ذاته ،
اين ينسجُ الضباب ، على مهلٍ ، لغتهُ

عندئذ فحسب ، تعرفُ آلامك نهايتها

2
هناك على ارضٍ من الصلصال الدافىء
يحيا شعبٌ من الملوك
حذار من غضبه

اذا اردنا ان نستضيف العاصفة
لابد من طقوس كبيرة ومن اسرارٍ غامضة
لا بد ان نرعى ، على مهلٍ ، غضب الالهة
ان نبدد حياد الظلال
لا بد من خيانة ما

انت ايها الفرسان المنتصر
على نوبات غضب التمثال الطريح

دع اذن ظلال الكبرياء الندية تعدو
في سهوبنا الجافة

انت ايتها الامطار الاولى غبّ الصيف
او لمْ يكن من طين هذا الجسد الذي حسبته جسدي

يا امطار الفلفل والنبوءات في اوجاع شعب يولد
غضب وعدوان
والخوف المريع
قديما كان الخوف…وغدا تكون الطفولة

الموج العاتي في اعالي البحار يمتلىء غضباً
سيحطمُ بعد ساعة كبرياء الصخر

وفي هذه الدنيا وعلى هذه الارض
المجبولة من صلصالٍ دافىء
يحيا شعبٌ من الملوك
ملوكٌ يائسون لكنهم
اعزةٌ هادئون

صناعِ اعاصير

3
وعندما نُفخَ في الصور
حاضرين كنا فوق حقل الحصاد
هل اخطانا اذا ما عجلنا بسقوط جذع من الخشب العاري ؟

ثمة آخرون كثر ايضاً
سيرتضون هذا اليوم بالانتشاء والموت
سيسيرون غير مبالين نحو طغيان عات
وعند هبوط الليل
سيعودون الى بيوتهم
وقد اتموا عملهم

الكِبرُ
لهيب كافور “ باروس “ الخالص
مذاق الامبراطوريات التي غرقت في اعياد الانعتاق الكبير

ايتها الاميرة ديمون
يا امي واختي وابنتي
لعلك كنتِ تبكين
وانت تريننا نُباد

العار ضربٌ من الموت لا يلائمُ منزلتك
وفي شرق الازمنة الغابرة
كان طيفك الشامخ يرتجف

هذه الليلة
في فجوات الغابة الساكنة،
القمرُ وعشيقة الآثم
سيخلدانِ للنوم

لا احد يمكنه ان يفخر بترتيبات ارحب
لا احد يمكنه ان ينشد مجدا مماثلاً.

4
انت ايتها الغاضبة
الملتبسة النافرة الشرسة
هاهو شعبٌ كامل من العشاق يقتفي خطوك

ينشد العظمة التي يفحصها الخلود
الحاضر في اوج عنفوانه وفي اثواب الابهة

اه الابدية
حلم البحارة وهم في قبضة الرعب

من ذا يجرؤ على النسيان ؟
من ذا ينبحُ
لي الارتواء من صمت ابديةٍ من رخام

لانك انت
فارعة رشيقة ومشرقة مثل امير “ إلف “
ايتها الماسيّة
انت التي تتيحين لهم الحياة والموت في العطش

وأسمع صوتك يدنو ورائي
وابتسمُ.

5
أيها الطريحُ ارضاً
كم مزّق صمتي العار
غضب العشق الاول تغذوه امطار الخريف

ليلٌ
طويلٌ مظلمٌ هذا الليل
قبل دويّ الصاعقة
وهاهي دافئة زاحفة
تواصل سعيها مثل جسدٍ يرتجف

عشيرةٌ يجمعها العطش
عشيرةٌ تفرقها زخات المطر
اه.. ياسهول جامة الوسيعة

6
ألم يروا في صفوف الغضب
النسغ الصامت لمن تعذبوا بيننا ؟
نسغاً ولوداً
رفعت حرارته رياح الهجير في بساتين البرتقال الساكنة ؟

الم يروا كتيبة فرسان سبعة تماهت اسماؤهم
وثارت تحت سنابك خيولهم اراضي اكثر اتساعا من رحمة النسيان؟
والغبار الميت مرتفعاً في اشارات العرافين الوسيعة
هم المبشرون بمناورات كبرى تثير انفعال النار المقدسة.

الم يروا الملكة العنيدة تبقع بالاملاح حقول زيتون من طين احمر؟

يا نبوءات الخلاص الكبير!

انها لكواسر منزعة الريش ترقص على قمم احلامنا
ـ وهذا امر هين ـ
كواسر تنسج غسق فجر لم ينبلج بعد

آه ماذا يعرفون عن هذه الضروب من الخلاص؟

وراينا منبثقا من هذه الارض في مخاضات عسيرة واهتزازات كبيرة
جمالا صلدا مرّ المذاق،
مثل وجه احرقه الصوان والريح،

اغبر مثل ظهيرة في شهر تموز
مبيض مثل مقبرة منسية.

اجل كم راينا قصائد من حجر تنتصب في صمت العصور الغابرة
وكم راينا وجوها غفلا نضيع فيها؟

اجل راينا سنابك الصليبيين في باحات المساجد
لكن في صباحنا هذا
اقمنا بين الخيش والخشب صلواتنا فيها
يالقوة الخاضعين

7

اه كم كثر كانوا اشفاطنا وملوكنا!
وتحت اشواك عقائد الولاء
كم كانت طيعة هاماتنا وسواعدنا!

انت ايها القرصان المنذور لكبرى لعنات جحيم البحار
في احدى ليالي الخريف وطات، على ما يبدو ، ضفاف الاعداء
في احدى ليالي الخريف اضرمت النار في اقطاعات قديمة
وطوقت بغضبك كوى النبال
لانك وعدت باميرة فارعة رشيقة ومشرقة
اميرة من اميرات شعوب “ الف “

وفي الساعة الموعودة وقفنا على شفا الهاوية
كان ظل الموت يحاصر انظارنا
وجلادونا يتربصون بنا على الهضاب عالية

اجل عرفنا ملوكا من اكلي لحم البشر
وفي السهول القاحلة المنذورة للصخب
راينا كيف يلتبس النشيد بالموت

اجل راينا امواج البرابرة تغمر مدننا
لكن هناك نشور عظيم يسري تحت موتانا.

اه الم يدركوا ان لحمنا مر؟
والاّ احنث من ايمان الحشود؟

هذا المساء
بعيدا عن صخب اليم
سينام في اجمات هادئة
القمر مع عشيقه زاني المحارم
يا للسكينة تلفّ كل هذه الحماسة!

8

مباركة تلك الساعة التي يمنح فيها صخب البحر الصمت مملكته
تلك التي فيها يستسلم الطفل مكرها النوم
حيث لا نسمع الا غناء صرار وحيد
وصريرا مترددا لشباك موارب

في حوض من الرخام الابيض وجد الماء سكونه..
ولا شيء يخيف كائنات القاع
انها ساعة الوحدة في كل الوانها!

الوحدة التي غنمت بعد صراع مرير
في خضرة غير مرتقبة على ارض عطشى
تلك التي دفناها مثل حجر كريم غامض
في جرح لجسد ازلي نازف،
او وحدة حسبناها قد ضاعت الى الابد
ثم وجدناها فجاة وسط الحشود الصاخبة.

يا ضروب الوحدة لأزمنة السلالات الاخرى
انها صرخة
صرخة مفردة وحيدة انبثقت من قلب زيتونة معمرة
حاملة في صدى نفسها الجديد نظاما من الاشياء محدداً

اجل فادحا كان الخطا
باهظة تكون جزيته .
حتى متى الاهانة
كم مرة اخرى علينا ان نموت

9
يال الغدر
يال الخيانة
منهما نسجت راية هذا المجد
وبهما دنست!

اكثر دنسا من يد ليلية مدت لتهب السنة النار
احتمالات الفجر المشرق
اكثر من واحد وعشرين يوما قدّت من ملح ورماد
ودموع قائد عدو،
اكثر من موت موعود.

من اجل كل ذلك انطفا بريق مجدكم

لا ولاء لغير نشيد الحشود وقد اثملها جبروتها !
لا ولاء موعودٌ إلا لاولئك المتمردين من اهلنا !
وقد لاذوا بطيات الضفاف المغلقة لمدننا !
لاذوا بفضاءات العالم الرحبة !

مجدنا واضحٌ للعيان
عظمتنا في كل الدروب !

انما كثرٌ هم الاباة الذين خضعوا لطبقة الساسة الجدد
كثرٌ هم الذين دفعوا للكبرياء جزية الطاعة ،
نافين ان تكون ضربا من الخيانة
لكن من رغبة الامير ينبثق شرف الموالي .

“ يا سراق التين “
صرخ نذير في صفوفنا
“ يا سراق الاحلام دون شرف
يا سراق الاماني والنبوءات
منها نسجت راية مجدكم
وبها تدنّست “

10
ثم تاتي اشد العصور قسوة
واكثر الساعات قتامة

وينحدر البرابرة باعداد هائلة
وتنهمر امطار غزيرة شيباء
لا تروي ارضا ولا تطهر دنساً
وتاتي من اعماق الرمال القاحلة
سحب كهنة مبشرين بكلاب مستراب
كلام مستراب يرفعونه الى منزلة الواح الوصايا

اجل يا امي يا اختي ويا ابنتي
تاتي هذه الايام حتى اعتاب بيوتنا
نبوءات شديدة القتامة

هل لنا ان نرحل ذات يوم عن هذه الاراضي المتزهدة ؟
ان نسلّم غبار الاسلاف الاحمر لقوى الذكريات الحية؟

ان نغلق اجفان مساكننا النبيلة
وندعو اطفالنا الذين يلعبون في الساحة
ثم نلتفت ونحن نعبر غبار خطانا
الى التباشير المضطربة لما كنا عليه؟

مهزومين، لن يكون لنا غير الحزن نورثه لابنائنا.

لكن لا يزال فينا يدوي صدى نشيد الجنون المر
جنون المياه الحية الرحب
وكوكب الايمان الاعمى

اما هؤلاء الذين نظموا اناشيد العالم الجنائزية
فلهم ان يسطروا على الواح كبرى من رخام وبرونز
منعرجات صباحاتنا المتعثرة

لهم ان يقولوا الاْ شيء ينبت في اراضينا
ما لم يكن مسجلاً في اعمدة سجلاتهم

قل لهم ايها الطفل الذي سوف يولد بيننا في القماط
قل لهم كم امبراطوريات قبلهم آمنت بالخلود
كم امبراطوريات قبلهم كان مآلها الغرق في الخلاص الكبير

*

2011/ 2013

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *