هايل المذابي
أن تضيع في حياتك مرة، فتلك جزية تدفعها للأيام – وما منكم إلا واردها – لقاء شهوةٍ صعب كبحها ..
وأن تضيع مرتين ، فلست بمؤمنٍ، فالمؤمن لا يضيع لقاء شهوةٍ مرتين ..
إنه أنا من ضاع ويضيع ويتضور ضياعاً وليس بمؤمن، كل عامٍ أضيع ..كل فصلٍ أضيع ..كل شهرٍ أضيع، كل أسبوعٍ أضيع ..كل يومٍ أضيع ..كل ساعةٍ أضيع ..كل دقيقةٍ أضيع …، كل لحظةٍ أضيع ويالله ما أجمله من ضياع عندما يكون في عيني امرأة ..
ضيعني وطني صغيراً وضيعتني عيناكِ كبيراً .!!
إن مجرد أن فكر أنني ضائعٌ أضيع، إنني ضائعٌ بالطبيعة وأضيعُ من قمر الشتاء فعلام يستميت هذا العالم الغبي في سبيل إضاعتي ..!؟
كلما رأيت بصيص ضوءٍ يُهتدى بهِ زادني ضياؤه ضياعاً، كلما رأيت بعيني امرأة تجددت ضياعا كما أفعى تجدد ذاتها وتخلس جلدها، أو كما زعيمٍ عربي يكرر ذاته ويتجدد بانتخابات مزورة، أو كما عنقاء تلدُ من بين الرماد..!!
الضياع …ياللضياع يا ..
يبسطني ثم يجمعني ..يكتبني بعينيكِ ولا يمحو مخاوفي ..، يهيئني للغضب ولا يلقي بي في هوّة الفراق الأخير ..
الضياع نصفه لقاء ونصفه وداع ..
الضياع فمٌ يصرخ وعينان تشتهيان ويدان تعانقان الأوهام والضنون الآتية من الكتب والدروب ..!!
الضياع سجنٌ بلا جدران ..
الضياع وطن يبحث في قلبي عن مأوى ..
ولكن ما جدوى الضياع وهو حضرةٌ ناقصة من يديكِ وعينيكِ وفمكِ ..!؟
كنت أغفر لو أنني ضِعتُ ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ..
لم تكن شهوتي جسدية .. لا و كلا، فلو كانت كذلك لكانت حاجتي مقضية وأمر شهوتي هينٌّ ، يفنى الجسد وأحظى بالخلاص ، وتسافر الروح إلى حيث لايلحق بجناحيها جناح ، وأنّى لي ذلك وشهوتي حسية، هي شهوةٌ لا تُكبح ولا يخبو لها أوار ، شهوةٌ لا تنضب ولا تتئد ، ومجرد التفكير في كبحها هو الضياع ذاتهُ ..!!
لكن كيف ؟ وما الذي يسعنا فعلهُ سوى الضياع وتربية الضياع في هذه المدن الموبوءة بالضياع ؟ الـ تجترّ الضياع .. الراقدة في الضياع .. المسكونة بالضياع .!!
• حلمتُ ذات يومٍ مثلما يحلم الآخرون بأن أصبح مندوب مبيعات وتسويق لدى شركة كبيرة عالمية ، بيد أن حلمي تعثر كما لو كان يعلم بلا اكتراثي لقاء ماهية ما سأسوّقه وأروج له ، وربما كان السر وراء تحقق هذا الحلم، إذ أصبحت مندوباً لشركة الضياع الكبرى، هو ترديدي الدائم لهذا الحلم وترسبه من ثمّ في اهراءات عقلي الباطن، وربما نسيت عن غير قصد أن الأفكار كالمغناطيس تجذب الخير وتجذب الشر وتجذب الضياع أيضاً ، فها أنذا أُسوّق الضياع في عالم الأثرياء..، إذ أن الضياع الذي أسوقه باهظٌ جداً، من حيث أنه “ضياع” ذا مواصفات عالية الجودة، ودواليك وبعد هذا النجاح أصابني فقدان الانسجام مع هذا الحلم أو الهدف، عندما أوشكت على تحقيقه أو حققته، وارتقى من ثمّ طموحي وحلمي لأصبح زعيم ومؤسس أكبر كارتيل ضياع في العالم شأني شأن بابلو أسكوبار في عالم المخدرات…وكيف لا فالخبرة لا تنقصني والضياع لا ينقصني ، عدا ذلك أني سأصير وكيلاً للأموات الذين أضاعوا عظامهم، والأحياء الذين أهدتهم الحياة ثروة ضخمة من الضياع كترفٍ زائد يخشون تبديده إلى العفاء أو ذهابه سُدى، سأستميت في إقناعهم باستثمار ضياعهم في شركتي لقاء نسبة من الأرباح، وسأحرص على أن أبقى على اتصال غير منقطع مع كبار الضائعين في هذا العالم وكذلك تجار ومروجي الضياع في كل أصقاع المعمورة، وسيكون شعار منظمتي ” أنا ضائع إذن أنا موجود “، كما سأصدر الضياع وأهربه ثم أغسل أموالي التي ربحتها في هذه التجارة الضائعة كما يفعل تجار المافيا ……
• قد أكون أحمقاً كما قد أنفق ضائعاً بما أفكر فيه، وقد أدرك بعد آن أنني كذاك الذي دافع لطيلة حياته عن قضية هو يعلم في قرارة نفسه ومنذ الوهلة الأولى أنها قضية خاسرة أو ضائعة، أو كمن حارب في جيشٍ هو يعلم من قبل أن تبدأ المعركة أنه يُحارب في جيشٍ مهزوم..!!
• إنه أنا ..قضيتي خاسرة وحاربت بجيشٍ مهزوم وعيناكِ ذلك الضياع الذي لا ريب فيه ..!